تابع - المبحث الثالث القوانين العقابيه
ثانيا - القانون رقم 10 لسنه 1966 بشأن مكافحه الدعاره
في 11 مايو 1959 انضــمت الجمهوريه العربيه المتحده " دوله الوحـده بين مصر وســوريا " بمقتضي القرار 884 الصادر من رئيس الجمهـوريـه الي الاتفــاقيه الدوليه لمكافحه الاتجار في الاشخاص واستغلال دعــاره الغير .. وهي الاتفاقيه الموقعه في ليل سكس بتاريخ 21 مارس 1950 .. والتــــــــــــي نصت علي ضروره الغاء كل قانون او لائحه تنظم البغاء فــــي اي صوره من الصور ..
وعلي اثر الانضمام الي هذه الاتفاقيه , تبين للمشرع في دوله الوحده , ان القانون رقم 68 لسنه 1951 بشأن مكافحه الدعاره والمعمول به فــي مصر " الاقليم الجنوبي وقت ذات " غير كاف لتحقيق اهداف الاتفاقيه كذا تبين له ضروره الغاء قانون تنظيم البغاء و المعمول به فـــــي سوريا " الاقليم الشمالي وقت ذاك " .. فصدر القانون رقم 10 لسنه 1961 متفقا مع اهداف الاتفــاقيه الدوليه فيما يتعلق بفرض العقوبات علي الصوره المختلفـــــه للتحريض علي البغاء او المساعده او استغلاله او احترافه .. ( طبقا لتصور المشرع وقت ذاك وعلي النحو المنصوص عليه في المذكره التفسيريه لذلك القانون )
والبغاء هو" مباشره الفحشاء مع الناس بغير تمييز - ان ارتكبه الرجل فهو فجور وان ارتكبه الانثي فهو دعاره " احكام محكمه النقض المصريه في تعريفه ... ويلاحظ علي هذا القانون انه عاقب علي الافعال الاتيه :
- التحريض اوالتسهيل لممارسه الدعاره والفجور م 1
- الاستخدام او الاستدراج م 2
- التحريض او المساعده او الاصحاب لممارسه الدعاره في الخارج م 3
- ادخال شخص للاراضي الوطنيه لممارسه الدعاره م 5
- معاونه انثي علي ممارسه الدعاره م 6
- استغلال البغاء م 6 / ب
- فتح او اداره محل للدعاره م 8
- تقديم مسكن لممارسه الدعاره م 9 / أ
- الاعتياد علي ممارسه الدعاره م 9 / ج
- استخدام المحال العامه ممن يمارسون الدعاره م 11
- الاقامه او الاشتغال عاده بمحل الدعاره م 13
- الاعلان عن الدعاره م 14
وبقـــراءه النصوص السابقه - يبين ان القانون قد عاقب علي ممارسه البغـاء والمساعده عليه والتحريض والمعاونه ..0 الي اخر الافعال , وقد جاء نص القانون مطلقا لايخص بالحديث الاناث فقط او الذكور فقط بــــــل عاقب اي منهما ان ارتكب اي من الافعال المنصوص عليها في القانون ..
واذا كان اي مـن هذه الجرائم المعاقب عليها يتصور ان يقوم به فردا بمفرده ,تحريضا لاخر او مساعده أو معاونه له -الا ان جريمه الاعتياد علي ممارسه الدعاره لايتصور ان يمارسها الجاني وحـــده بل هي جريمه تتم مع طرف اخر ..
والصوره الواقعيه لهذه الجريمه , ان المتهـم " ذكرا كان او انثي " يمارس البغاء مع الناس دون تمييز .. وانه وقت ممارسه هذا البغاء يكون المتهم مع اخـــر " واحد من هؤلاء الناس لكن القانون لم يعاقب هذا ال " واحد مـــن الناس " بل اكتفي بمعاقبه المعتاد علي ممارسه البغاء..
والحق ان هذه تفرقه غير عادله من ناحيه , وايضا تؤدي بالضروره الي استمرار البغاء وانتشاره من ناحيه اخري ..
وعلينا ملاحظه ان الصـوره الشائعه لجرائم البغاء , هي اعتياد انثي علي ممارسه الدعاره , فأعتياد رجل علي ممارسه الفجور, امرا ليــس شائعا ونادر الحدوث ..
ومن ثم وبـــــناء علي هذه الصوره الشائعه , فأن النساء الممارسات للبغاء , هن وحـــدهن اللاتي يعاقب علي افعالهن , دون ان تمتد مظله التجريم الي هؤلاء الرجال الذي يمارسون معهم ذات الافعال .. وهو كما سبق القول , امرا غير عادل مــــن ناحيه , ومن ناحيه اخري لايوقف انتشار البغاء ولايمنع وجوده .. لانه اذا كان المجتمع يستهجن هــــــذه الافعال ويدينها , فيلزم عقاب المشاركين فيها , سواء معتادي ممارسه الدعاره " النساء " او الاخرين الذي يمارسونها معهن " الرجال " سـيما وان هؤلاء يدفعون لهذه النساء مقابل التمتع وممارسه الفحشاء ..
فكيف يـستقيم ان نعاقب احد طرفي العلاقه " النساء " ونــــترك الطرف الاخر " الرجل " شاهد عليها , واحد الاسباب القانونيه لعقابها , مطلق السراح , دون عقاب ..
ولما كانت النصوص سالفه البيان تعـاقــــــب المرأه فقط علي افعال يستحيل عليها القيام بهـــــا وحدها دون مشـــاركه الرجل " بالمعني لقانوني اوالواقعي , فأن هذه النصوص انما تميـز بين الرجل والمرأه علي غير سند .. مــما يلزم معه ان يتدخل المشرع لتغييرها اتساقا مع نص الدستور ..
بل ان القانون في صورته الحاليه , ودون ان يمد مظله التجريم الي الافعال التي يمارسها الطرف الاخر مع ممارسه والمععتاده علي البغاء , انما يخالف نص الماده ( 6) من الاتفاقيه , لان القانــــون بصورته الحاليه انما قاصر عن مكافحه جميع اشكال الاتجار بالمرأة طبقا لنص الماده سالفه البيان من الاتفاقيه ..
وجدير بالملاحظه ان هذا القانون يعاقب علي جرائم مختلفــه من حيث ركنها المادي ومن حيث العقوبه المقرره لها ..
لكن الحق .. ان حجر الـــزاويه في هذه الجرائــم هو جريمه الاعتياد علي ممارســه الدعاره .. اي ممارسه الفحشاء دون تمييز مع الناس ..
فهذه الجريمه هي ذاتها محل التحريض عليها / ومحل الاستغلال لما يعود منها / ومحل التســـــــهيل لارتكابها / وهـي ذاتـــــها التي تفتح المساكن لممارستها / وتفتح المحال لارتكابها ..
وهذه الجريمه " الاعتيـاد علي ممارسه الفحشاء مع الناس دون تمييز " ينظر لها المجتمع بأعتبارها فعلا نسائيا , فعلي الرغم من ان القانون يضع تصورا لمعاقبه الرجل علي الاعتياد علي ممارسه الفحشاء مع الناس دون تمييز " اي لارتكابه الفجور " الا ان هـذه الصوره غير شائعه بـل ونادره الي حد يصعب معه دراستها ..
لكن الشائع والمتكرر والسائد والذي تمتلأ به سـاحات المحاكم واوراق القضايا - هي ارتكاب النساء لهذه الجريمه .. يعاونها في ذلك رجالا و نساء بأرتكاب جرائم اخري معاقب عليها في ذات القانون سواء تسهيل الدعاره او التحريض عليها او استغلالها او .... الي اخره ..
لكن ولان النساء مهما ارادت , ممارسه الفحشاء مع الغير دون تمييز , وبصرف النظر عن الدوافـــع لارتكاب هذه الجريمه او اسبابها , فأنه لايمكن لها ممارسه هذه الجريمه الا اذا كان هناك رجل ما - قبل بــل وسعي - لممارسه هذا الفعل وذهب الي هذه المرأه حيث هي , او سمح لها بالمجيء عنده , ودفع لها اجر مقابل ارتكابها الفحشاء معه .. هذا الرجل المنتفع بأرتكاب الفحشاء والمستمتع بها , هو سبب وجود وانتشار جميع جرائم الدعاره .. هذا الرجل والذي تمارس معه النساء معتادات الدعاره جــرائمهن , هو السبب الرئيسي فــــي قيام البعض " رجالا او نساء " بتحريض النساء علي ارتكاب الفحشاء,وهذا الرجـل هو السبب في قيام البــعض " رجالا او نساء " بتسهيل ارتكاب النساء , وهو المســــبب لانتفـــاع البعض " رجالا او نساء " بمقابل الدعاره ..0 الي اخر الجرائم المعاقــــب عليها ..
لكن هذا الرجل لايعاقبه القانون ..
*** فالمشـــــرع لايري في سلوكه بالذهاب الي النساء او بقبوله حضورهن اليه , امرا يستوجب العقاب ..
*** ولايري في دفعه اموالا مقابل التمتع بالنساء وسلوكهن الاجرامي , امر يستوجب العقاب ..
*** المشرع لايري في مسلك هذا الرجل تحـــريضا للنساء علي الاستمرار في ممارسه البغاء , ولايري في سلوكه تحبيـذا للمنتفعين بمقابل البغاء بالاحتفاظ بهذه المهنه دون غيــــرها ..
وهو امرا شديد التناقض .. وشديد التمييز ضد المرأه ..
امرا شديد التناقــــض لان المشرع الذي يعتبر التعرض للاناث بكلمات تافهه مثل " ياعسل او ياقمر " جريمه يستحق مرتكبها الحبس دون غيره من العقوبات .. والذي يري ان تقبيل شاب لخطيبته في السينما جريمــه تخدش الحياء العام ,مما يستوجب حبسهما لمده قد تصل الي سنه .. هذا المشرع ذاته لايري في سلوك هذا الرجل ما يستوجب عقابه ..
بل المشرع يعتبر هذا الرجل شاهد , تكفي شهادته وقوله لادانه الفتاه اوالسيده التي شهد عليها , بكونها قد مارس معها وقت الضبط او في وقت سابق , تكفي لعقابها ..
وامرا شديد التمييز ضد المرأه , تلك التي تعاقـــب علــــي فعلتها الاجراميه دون ان يعاقب الطرف الاخر معها , الذي مارس ذات الفعـل , وقبله مثلها , وسعي اليه شأنها , بل ربما يكون لها هي اسبابا اكثر قبولا من الوجهه الاجتماعيه كأضطراها للقيــام بذلك الفعل تحت ضغط الحاجه اوالفقر او العوز اوغيره .. فالامر المؤكد انها لاتمارس هذا السلوك المشين للتمتع والاستمتاع ..
ومــن ثـم اذا رأي المشــــرع ان سلوك الرجل غير مجرم فأن مقتضيات العــداله والمساواه تفترض ان تمتد مظله الاباحه وعدم التجريم الي سلوك النساء نفسهن .. وهو في الحقيقه مانعترض عليه كليه رفضا منها لاستعمال النساء كسلعه تتداول , احتراما منا لادميه النساء ووجودهم..
لكننا فقط نمد منطق المشرع علي استقامته ..
فهذا الفعل ..
اما فعلا اجراميا لطرفيه او فعلا مباحا غير معاقب عليه لطرفيه ..
وغير ذلك مخالف للدستور من ناحيه ومخالف لاتفاقيه القضاء علي كل اشكال التمييز ضد المرأه من ناحيه اخري ..
نتائج عامه
ان هذه الدارسه الاوليه , بما كشفت عنه من وجود تمييز ضد المرأة في القـــوانين العقابيه علي مستوي بعض النصوص من ناحيه وعلي مستوي التطبيــق من ناحيه اخري ,بالمخالفه لاحكام الدستور , انما اثارت اشكاليات يلزم الانتباه اليها فـــي علاقتها بهذا الموضوع ..
اولا - ان التمييز الحاصـل ضد المرأه في قانون العقوبات لايجد سـنده من مرجعيه دينيه .. فـــلا يـوجد سند ديني في حدوث مثل هذه التفرقه الحاصله فعلا ..
ثانيا - ان التمييز الحاصل ضد المـرأة , يتوافق مع موروثات ثقافيه من قيم وتقاليد واعراف , تلك التـي تنعكس علي صياغه النصــــــوص القانونيه وافكار صانيعها مـــن ناحيه وتؤثر ايضا علي طريقه اصدار الاحكام القضائيــه بما لهذ المورثات الثقافيه من هيمنه علي عــقول القضاه تنعكس في طريقه وكيفيه استخدامهم للسلطه التقديريه ..
ثالثا - ان التغيير الفوري لنصوص القانون , ان تصورنا حدوثه امرا من شأنه ان يحدث صدمه حضاريه لدي جموع الخاضعيين لــــه وعلي الاخص الرجال الذين انتفعوا بالتمييز الحاصــــــل لصالحهم واستفادوا من السلطات المطلقه التي منحها لهم القانون والارجــح ان ذات الصدمـــه ستصيب النساء الذين هم تعايشوا مع وتقبلوا فكره حدوث التمييـــــز لصالح الرجل وكأنه امرا قدريا لافكاك منه -
ومن ثم اتصور ضروره ان يصاحب الدعوه لتغيير النصوص , جهدا دعائـيا واعلاميـا كبيرا يوضح انتفاء السند الديـــني لهذه النصوص , ويوضح ايضــــا ان التـمييز الحاصل ضد المرأه بسبب تلك النصوص امـــــرا عارضا مـــؤقتا مهما استطال زمـن هيمنته .. بل ويسـتلزم الامـر ايضا جهدا بحثيا كبيرا , توزع نتائجه علي نطاق واســـــع يــوضح الاثار الاجتماعيه السلبيه لحدوث مثل هذا التمييز , مع تأكييد ان هذه الاثار السلبيه لاتلحق المرأة فقط بل تصيب المجتمع كله..
رابعا - ضروره المشاركه النسائيه الواسعه في صياغـــه النصـــــوص القانونيه المستهدف اصدارها , بديلا لتلك النصوص,وصولا الي تشريعات تعبر عن مصالح النساء بشكل حقيقي وليس تشريعات يتصور صانعيها انها تدفاع عن مصالح النساء وهي في حقيقه الحال ابعد ماتكون عن ذلك ..
ويقصد هنا بالمشاركه النسائيه الواسعه ليس فقط من القانونيات بــل ايضا من المتخصصين في الاجتماع وعلم النفس وبقيه العلوم الاجتماعيـه فمن مجمل افكار كل هولاء وتصوراتهم وخبراتهم ,بل ومــــــن تمثلهم لاحاسيس النساء ومشاعرهن يمكن الوصول الي نصوص قانونيه متـــوازنه لاتعبر فقط عن مصالح النساء بل عن مصلحه المجتمع ككل ..
( تمت دراسه التمييز ضد المرآه في قانون العقوبات - الجزء النظري - والمنشور علي عدد (5) جزء بهذه المدونه )
ثانيا - القانون رقم 10 لسنه 1966 بشأن مكافحه الدعاره
في 11 مايو 1959 انضــمت الجمهوريه العربيه المتحده " دوله الوحـده بين مصر وســوريا " بمقتضي القرار 884 الصادر من رئيس الجمهـوريـه الي الاتفــاقيه الدوليه لمكافحه الاتجار في الاشخاص واستغلال دعــاره الغير .. وهي الاتفاقيه الموقعه في ليل سكس بتاريخ 21 مارس 1950 .. والتــــــــــــي نصت علي ضروره الغاء كل قانون او لائحه تنظم البغاء فــــي اي صوره من الصور ..
وعلي اثر الانضمام الي هذه الاتفاقيه , تبين للمشرع في دوله الوحده , ان القانون رقم 68 لسنه 1951 بشأن مكافحه الدعاره والمعمول به فــي مصر " الاقليم الجنوبي وقت ذات " غير كاف لتحقيق اهداف الاتفاقيه كذا تبين له ضروره الغاء قانون تنظيم البغاء و المعمول به فـــــي سوريا " الاقليم الشمالي وقت ذاك " .. فصدر القانون رقم 10 لسنه 1961 متفقا مع اهداف الاتفــاقيه الدوليه فيما يتعلق بفرض العقوبات علي الصوره المختلفـــــه للتحريض علي البغاء او المساعده او استغلاله او احترافه .. ( طبقا لتصور المشرع وقت ذاك وعلي النحو المنصوص عليه في المذكره التفسيريه لذلك القانون )
والبغاء هو" مباشره الفحشاء مع الناس بغير تمييز - ان ارتكبه الرجل فهو فجور وان ارتكبه الانثي فهو دعاره " احكام محكمه النقض المصريه في تعريفه ... ويلاحظ علي هذا القانون انه عاقب علي الافعال الاتيه :
- التحريض اوالتسهيل لممارسه الدعاره والفجور م 1
- الاستخدام او الاستدراج م 2
- التحريض او المساعده او الاصحاب لممارسه الدعاره في الخارج م 3
- ادخال شخص للاراضي الوطنيه لممارسه الدعاره م 5
- معاونه انثي علي ممارسه الدعاره م 6
- استغلال البغاء م 6 / ب
- فتح او اداره محل للدعاره م 8
- تقديم مسكن لممارسه الدعاره م 9 / أ
- الاعتياد علي ممارسه الدعاره م 9 / ج
- استخدام المحال العامه ممن يمارسون الدعاره م 11
- الاقامه او الاشتغال عاده بمحل الدعاره م 13
- الاعلان عن الدعاره م 14
وبقـــراءه النصوص السابقه - يبين ان القانون قد عاقب علي ممارسه البغـاء والمساعده عليه والتحريض والمعاونه ..0 الي اخر الافعال , وقد جاء نص القانون مطلقا لايخص بالحديث الاناث فقط او الذكور فقط بــــــل عاقب اي منهما ان ارتكب اي من الافعال المنصوص عليها في القانون ..
واذا كان اي مـن هذه الجرائم المعاقب عليها يتصور ان يقوم به فردا بمفرده ,تحريضا لاخر او مساعده أو معاونه له -الا ان جريمه الاعتياد علي ممارسه الدعاره لايتصور ان يمارسها الجاني وحـــده بل هي جريمه تتم مع طرف اخر ..
والصوره الواقعيه لهذه الجريمه , ان المتهـم " ذكرا كان او انثي " يمارس البغاء مع الناس دون تمييز .. وانه وقت ممارسه هذا البغاء يكون المتهم مع اخـــر " واحد من هؤلاء الناس لكن القانون لم يعاقب هذا ال " واحد مـــن الناس " بل اكتفي بمعاقبه المعتاد علي ممارسه البغاء..
والحق ان هذه تفرقه غير عادله من ناحيه , وايضا تؤدي بالضروره الي استمرار البغاء وانتشاره من ناحيه اخري ..
وعلينا ملاحظه ان الصـوره الشائعه لجرائم البغاء , هي اعتياد انثي علي ممارسه الدعاره , فأعتياد رجل علي ممارسه الفجور, امرا ليــس شائعا ونادر الحدوث ..
ومن ثم وبـــــناء علي هذه الصوره الشائعه , فأن النساء الممارسات للبغاء , هن وحـــدهن اللاتي يعاقب علي افعالهن , دون ان تمتد مظله التجريم الي هؤلاء الرجال الذي يمارسون معهم ذات الافعال .. وهو كما سبق القول , امرا غير عادل مــــن ناحيه , ومن ناحيه اخري لايوقف انتشار البغاء ولايمنع وجوده .. لانه اذا كان المجتمع يستهجن هــــــذه الافعال ويدينها , فيلزم عقاب المشاركين فيها , سواء معتادي ممارسه الدعاره " النساء " او الاخرين الذي يمارسونها معهن " الرجال " سـيما وان هؤلاء يدفعون لهذه النساء مقابل التمتع وممارسه الفحشاء ..
فكيف يـستقيم ان نعاقب احد طرفي العلاقه " النساء " ونــــترك الطرف الاخر " الرجل " شاهد عليها , واحد الاسباب القانونيه لعقابها , مطلق السراح , دون عقاب ..
ولما كانت النصوص سالفه البيان تعـاقــــــب المرأه فقط علي افعال يستحيل عليها القيام بهـــــا وحدها دون مشـــاركه الرجل " بالمعني لقانوني اوالواقعي , فأن هذه النصوص انما تميـز بين الرجل والمرأه علي غير سند .. مــما يلزم معه ان يتدخل المشرع لتغييرها اتساقا مع نص الدستور ..
بل ان القانون في صورته الحاليه , ودون ان يمد مظله التجريم الي الافعال التي يمارسها الطرف الاخر مع ممارسه والمععتاده علي البغاء , انما يخالف نص الماده ( 6) من الاتفاقيه , لان القانــــون بصورته الحاليه انما قاصر عن مكافحه جميع اشكال الاتجار بالمرأة طبقا لنص الماده سالفه البيان من الاتفاقيه ..
وجدير بالملاحظه ان هذا القانون يعاقب علي جرائم مختلفــه من حيث ركنها المادي ومن حيث العقوبه المقرره لها ..
لكن الحق .. ان حجر الـــزاويه في هذه الجرائــم هو جريمه الاعتياد علي ممارســه الدعاره .. اي ممارسه الفحشاء دون تمييز مع الناس ..
فهذه الجريمه هي ذاتها محل التحريض عليها / ومحل الاستغلال لما يعود منها / ومحل التســـــــهيل لارتكابها / وهـي ذاتـــــها التي تفتح المساكن لممارستها / وتفتح المحال لارتكابها ..
وهذه الجريمه " الاعتيـاد علي ممارسه الفحشاء مع الناس دون تمييز " ينظر لها المجتمع بأعتبارها فعلا نسائيا , فعلي الرغم من ان القانون يضع تصورا لمعاقبه الرجل علي الاعتياد علي ممارسه الفحشاء مع الناس دون تمييز " اي لارتكابه الفجور " الا ان هـذه الصوره غير شائعه بـل ونادره الي حد يصعب معه دراستها ..
لكن الشائع والمتكرر والسائد والذي تمتلأ به سـاحات المحاكم واوراق القضايا - هي ارتكاب النساء لهذه الجريمه .. يعاونها في ذلك رجالا و نساء بأرتكاب جرائم اخري معاقب عليها في ذات القانون سواء تسهيل الدعاره او التحريض عليها او استغلالها او .... الي اخره ..
لكن ولان النساء مهما ارادت , ممارسه الفحشاء مع الغير دون تمييز , وبصرف النظر عن الدوافـــع لارتكاب هذه الجريمه او اسبابها , فأنه لايمكن لها ممارسه هذه الجريمه الا اذا كان هناك رجل ما - قبل بــل وسعي - لممارسه هذا الفعل وذهب الي هذه المرأه حيث هي , او سمح لها بالمجيء عنده , ودفع لها اجر مقابل ارتكابها الفحشاء معه .. هذا الرجل المنتفع بأرتكاب الفحشاء والمستمتع بها , هو سبب وجود وانتشار جميع جرائم الدعاره .. هذا الرجل والذي تمارس معه النساء معتادات الدعاره جــرائمهن , هو السبب الرئيسي فــــي قيام البعض " رجالا او نساء " بتحريض النساء علي ارتكاب الفحشاء,وهذا الرجـل هو السبب في قيام البــعض " رجالا او نساء " بتسهيل ارتكاب النساء , وهو المســــبب لانتفـــاع البعض " رجالا او نساء " بمقابل الدعاره ..0 الي اخر الجرائم المعاقــــب عليها ..
لكن هذا الرجل لايعاقبه القانون ..
*** فالمشـــــرع لايري في سلوكه بالذهاب الي النساء او بقبوله حضورهن اليه , امرا يستوجب العقاب ..
*** ولايري في دفعه اموالا مقابل التمتع بالنساء وسلوكهن الاجرامي , امر يستوجب العقاب ..
*** المشرع لايري في مسلك هذا الرجل تحـــريضا للنساء علي الاستمرار في ممارسه البغاء , ولايري في سلوكه تحبيـذا للمنتفعين بمقابل البغاء بالاحتفاظ بهذه المهنه دون غيــــرها ..
وهو امرا شديد التناقض .. وشديد التمييز ضد المرأه ..
امرا شديد التناقــــض لان المشرع الذي يعتبر التعرض للاناث بكلمات تافهه مثل " ياعسل او ياقمر " جريمه يستحق مرتكبها الحبس دون غيره من العقوبات .. والذي يري ان تقبيل شاب لخطيبته في السينما جريمــه تخدش الحياء العام ,مما يستوجب حبسهما لمده قد تصل الي سنه .. هذا المشرع ذاته لايري في سلوك هذا الرجل ما يستوجب عقابه ..
بل المشرع يعتبر هذا الرجل شاهد , تكفي شهادته وقوله لادانه الفتاه اوالسيده التي شهد عليها , بكونها قد مارس معها وقت الضبط او في وقت سابق , تكفي لعقابها ..
وامرا شديد التمييز ضد المرأه , تلك التي تعاقـــب علــــي فعلتها الاجراميه دون ان يعاقب الطرف الاخر معها , الذي مارس ذات الفعـل , وقبله مثلها , وسعي اليه شأنها , بل ربما يكون لها هي اسبابا اكثر قبولا من الوجهه الاجتماعيه كأضطراها للقيــام بذلك الفعل تحت ضغط الحاجه اوالفقر او العوز اوغيره .. فالامر المؤكد انها لاتمارس هذا السلوك المشين للتمتع والاستمتاع ..
ومــن ثـم اذا رأي المشــــرع ان سلوك الرجل غير مجرم فأن مقتضيات العــداله والمساواه تفترض ان تمتد مظله الاباحه وعدم التجريم الي سلوك النساء نفسهن .. وهو في الحقيقه مانعترض عليه كليه رفضا منها لاستعمال النساء كسلعه تتداول , احتراما منا لادميه النساء ووجودهم..
لكننا فقط نمد منطق المشرع علي استقامته ..
فهذا الفعل ..
اما فعلا اجراميا لطرفيه او فعلا مباحا غير معاقب عليه لطرفيه ..
وغير ذلك مخالف للدستور من ناحيه ومخالف لاتفاقيه القضاء علي كل اشكال التمييز ضد المرأه من ناحيه اخري ..
نتائج عامه
ان هذه الدارسه الاوليه , بما كشفت عنه من وجود تمييز ضد المرأة في القـــوانين العقابيه علي مستوي بعض النصوص من ناحيه وعلي مستوي التطبيــق من ناحيه اخري ,بالمخالفه لاحكام الدستور , انما اثارت اشكاليات يلزم الانتباه اليها فـــي علاقتها بهذا الموضوع ..
اولا - ان التمييز الحاصـل ضد المرأه في قانون العقوبات لايجد سـنده من مرجعيه دينيه .. فـــلا يـوجد سند ديني في حدوث مثل هذه التفرقه الحاصله فعلا ..
ثانيا - ان التمييز الحاصل ضد المـرأة , يتوافق مع موروثات ثقافيه من قيم وتقاليد واعراف , تلك التـي تنعكس علي صياغه النصــــــوص القانونيه وافكار صانيعها مـــن ناحيه وتؤثر ايضا علي طريقه اصدار الاحكام القضائيــه بما لهذ المورثات الثقافيه من هيمنه علي عــقول القضاه تنعكس في طريقه وكيفيه استخدامهم للسلطه التقديريه ..
ثالثا - ان التغيير الفوري لنصوص القانون , ان تصورنا حدوثه امرا من شأنه ان يحدث صدمه حضاريه لدي جموع الخاضعيين لــــه وعلي الاخص الرجال الذين انتفعوا بالتمييز الحاصــــــل لصالحهم واستفادوا من السلطات المطلقه التي منحها لهم القانون والارجــح ان ذات الصدمـــه ستصيب النساء الذين هم تعايشوا مع وتقبلوا فكره حدوث التمييـــــز لصالح الرجل وكأنه امرا قدريا لافكاك منه -
ومن ثم اتصور ضروره ان يصاحب الدعوه لتغيير النصوص , جهدا دعائـيا واعلاميـا كبيرا يوضح انتفاء السند الديـــني لهذه النصوص , ويوضح ايضــــا ان التـمييز الحاصل ضد المرأه بسبب تلك النصوص امـــــرا عارضا مـــؤقتا مهما استطال زمـن هيمنته .. بل ويسـتلزم الامـر ايضا جهدا بحثيا كبيرا , توزع نتائجه علي نطاق واســـــع يــوضح الاثار الاجتماعيه السلبيه لحدوث مثل هذا التمييز , مع تأكييد ان هذه الاثار السلبيه لاتلحق المرأة فقط بل تصيب المجتمع كله..
رابعا - ضروره المشاركه النسائيه الواسعه في صياغـــه النصـــــوص القانونيه المستهدف اصدارها , بديلا لتلك النصوص,وصولا الي تشريعات تعبر عن مصالح النساء بشكل حقيقي وليس تشريعات يتصور صانعيها انها تدفاع عن مصالح النساء وهي في حقيقه الحال ابعد ماتكون عن ذلك ..
ويقصد هنا بالمشاركه النسائيه الواسعه ليس فقط من القانونيات بــل ايضا من المتخصصين في الاجتماع وعلم النفس وبقيه العلوم الاجتماعيـه فمن مجمل افكار كل هولاء وتصوراتهم وخبراتهم ,بل ومــــــن تمثلهم لاحاسيس النساء ومشاعرهن يمكن الوصول الي نصوص قانونيه متـــوازنه لاتعبر فقط عن مصالح النساء بل عن مصلحه المجتمع ككل ..
( تمت دراسه التمييز ضد المرآه في قانون العقوبات - الجزء النظري - والمنشور علي عدد (5) جزء بهذه المدونه )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق